المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: الرجل الأول (2011)

15 يناير 2012

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام.

الفيلم: الرجل الأول
إخراج: جياني أميليو
بطولة: جاك غامبلين، كاثرين سولا، مايا سانسا ودنيس بوداليديس
العام: 2011
مدة العرض: 100 دقيقة

فيلم “الرجل الأول” المقتبس عن سيرة ذاتية من تأليف ألبرت كامو ، يروي قصة جين كورميري (جاك غامبلين) ، وهو الوجه الآخر للصحافي والفيلسوف المعروف، بعيد عودته إلى الجزائر في أواخر الخمسينات. يعود بهدف زيارة والدته (كاثرين سولا) التي يرتبط بها عاطفياً، وإعادة إحياء ماضيه، واستقصاء أخبار والده.

تتعاقب الأحداث الماضية والحاضرة في الفيلم. فنعود إلى طفولة الكاتب من خلال ذكريات الماضي، بينما يكتظ الحاضر بكفاحات رجل ممزق ما بين دفء الشمس الجزائرية، وثقل وصمة الاستعمار كفرد من أفراد من يدعونهم بجماعة “الأقدام السوداء”()”:http://en.wikipedia.org/wiki/Pied_noir K ، والعلاقات الفاترة ما بين القارتين.

من أشد مشاهد فيلم “الرجل الأول” تأثيراً، تلك التي يتحاور فيها الابن ووالدته. هي الأم المغالية في فخرها بابنها وبإنجازاته، أمّا هو فالإبن القلق على والدته التي تعيش وحيدة في آخر سنوات حياتها. إنها علاقة فريدة، ساحرة بلحظات الصمت الطويلة التي تتخللها. ليس بإمكاننا على الاطلاق ألا نتأثر بأداء غامبلين وسولا.

بعد ذلك، تبرز الجزائر التي يصرّ كورمري على زيارتها، والتي تثير فيه كل الذكرايات الطفولة. فنرى كيف ظهرت على الطفل ذي الملامح البريئة وفي سن مبكر، موهبة الإدراك، بينما يتفوق من ناحية أخرى في دراسته. هذا المزيج يتطور ليشكل شخصيته بعد نضوجه، حيث يحاول محاربة تأثير الاستعمار، فيدفع ثمن اتخاذه موقفاً في هذا الصراع.

فيلم “الرجل الأول” مقتبس عن كتاب يحمل ذات الإسم، اكتُشف بعد مصرع كاتبه كامو إثر حادث سير مأساوي. تم نشر النسخة الأصلية غير المنتهية مرفقة بملاحظات وأخطاء كامو بعد أعوام. هذه النسخة غير المكتملة جمعت ما بين الشغف الذي ورثه من الجزائر التي ولد فيها، وفكره العبقري الوجودي الثوري. تُرجمت كلمات كامو إلى صور أدخلتنا إلى صميم تطور شخصيته. أمّا مشهدية الشمس والبحر فأضاءت على جمالية الطبيعة الجزائرية التي لطالما دأب على وصفها.

نال الفيلم الذي ظل وفياً لروح كامو على جائزة النقاد الدوليين في العرض الخاص بمهرجان تورونتو السينمائي 2011. وكان أحد المنتجين، برونو بيزيري، أوضح خلال مهرجان دبي السينمائي الدولي، العام الماضي، أن صناع الفيلم استطاعوا ملء الثغرة التي خلفها الكتاب غير المكتمل، وذلك من خلال الاستعانة بصور ورسائل من أرشيف الكاتب بمساعدة ابنته.

عندما سمعت بالفيلم للمرة الأولى في مهرجان دبي السينمائي الدولي، تملّكتني الخشية والحماسة لمشاهدته. فقد أسهمت كتابات كامو، في السابق، في صقل أفكاري. لحسن الحظ حافظ الفيلم على صدقية أوصافه الرائعة: فركّز التصوير على المشاهد المشمسة، والذكريات ذات الألوان الدافئة، والتي قدمت صورة الجزائر كما وصفها كامو دوماً.

ليس بغريب على المخرج الإيطالي جياني أميليو، وهو الحائز على جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان عن فيلم “ذا ستولن شيلدران” (الأطفال المسروقين) عام 1992، فمزج ما بين اهتمامه بالفلسفة وتعاطفه مع ظروف نشأة كامو. كلاهما نشأ على أيدي والدتيهما وجدتيهما، وتأثرا بشكل عميق بغياب الصورة الأبوية. فأفرزت هذه الظروف عملاً ملأته العاطفة والحرفية السينمائية العالية. سيستمتع محبو كامو بهذا الفيلم المذهل والعاطفي.

blog comments powered by Disqus