نقد سينمائي: النادي اللبناني للصواريخ
30 ديسمبر 2012 — حديث الأفلام

بقلم كمام محمد المعاضيد
ما الذي يدفع إنجازاً تاريخياً للوطن إلى الإختفاء ويصبح من الذاكرة المنسية؟ تحاول هذه العملية حفظ التاريخ وتطرح سؤالاً مركزياً يجيب عنه المخرجان جوانا حاجي توما وخليل جريج في فيملهما الوثائقي الفائز بجوائز “النادي اللبناني للصواريخ”. يتبع الفيلم رحلة المخرجين في محاولتهما لكشف قصة منسية عن إطلاق الصاروخ الأول في الشرق الأوسط في عام 1961. يبدأ الفيلم في جامعة هايجزيان في لبنان، حيث يقود البروفيسور مانوغ مانوغيان مجموعة من الطلاب في مشروع مثير لصنع صواريخ، ليبدأ بعدها نطاق المشروع بالنمو ويكبر إلى حدود لم يتوقعها أحد. بدأ الأمر كمشروع طلابي صغير، لكن بعد أن نشرت إحدى الصحف مقالة عنه، أثار اهتمام الناس وتدخل الجيش لدعم هذه المبادرة التعليمية. وضع البحث التعليمي والعلمي الأسس لنادي الصورايخ، وعمل على توحيد الأمة في أوقات الصراع حيث كان لبنان بلداً مليئاً بالإنقسامات.
عند الحديث عن لبنان في الستينات، نتذكر الحرب الدائرة في تلك الفترة بين العرب وإسرائيل. يوثّق الفيلم فصلاً ضائعاً من التاريخ اللبناني والعربي ويعرض تأسيس “النادي اللبناني للصواريخ” بالرغم من الأحداث السياسية التي كانت تدور آنذاك.
تقدم القصة زخماً قوياَ عندما يتم اكتشاف وتفسير معظم أجزائها، وتصل إلى قمة الذروة بعد مقابلة البروفيسور مانوغيان الذي قدّم صوراً ومقاطع فيديو ووثائق تفصيلية عن إرث مشروعه المنسي، متيحاً المجال للإطلاع على وثائق اعتقد المخرجان بأنها فقدت إلى الأبد. يجمع مانوغيان أجزاء القصة المبعثرة معاً ويروي حكاية بداية النادي وقصصاً عن فشل إطلاق صواريخ في بلدان أخرى، والعطش الكبير لإيجاد المعادلة الصحيحة ومشاركة الجيش وطلب بلد عربي آخر بدء صنع صواريخ لحاجاته الخاصة.
من المثير حقاً متابعة كيفية تطور مشروع طلابي بسيط وسوء فهمه في حقبة الحرب الباردة التي لعب فيها الشرق الأوسط دوراً رئيسياً. وكما يوضح مانوغيان في الفيلم، كان لبنان مليئاً بالجواسيس من مختلف البلدان وبالتالي كان بناء الصواريخ أمراً لا يمكن تجاهله. ويصف أيضاً كيف تولى الجيش المشروع تدريجياً. كانت العلاقة المتوترة بين الشرق والغرب في ذروتها خلال ذلك العقد وظهرت جلياً عبر القلق والخوف الذي ساد جراء مشروع “النادي اللبناني للصواريخ“، لأنه كان يمكن أن يؤثر بشكل كبير على البلدان المجاورة من ضمنها إسرائيل. في النهاية، تعرّض النادي لضغوط هائلة لوقف تصنيع الصواريخ وبدأت القصة تدريجياً بالإختفاء.
يبدو شغف المخرجين بالقصة واضحاً للغاية وهما يحاولان إيجاد أي شخص يتذكر إطلاق الصاروخ العربي الأول، لكنهما يندهشان من كيفية إزالة هذا الحدث المهم من الذاكرة. يترك الفيلم المشاهدين للسؤال عن سبب وراء هذه القصة المخفية، فهل هو عدم الإهتمام بتوثيق وحفظ حقائق تاريخية في البلدان العربية أو نجاح الغرب في قمع الإنجازات العربية؟
حقق فيلم “النادي اللبناني للصواريخ” النجاح والتألق فكان ضمن الإختيار الرسمي في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي وفاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي 2012. تمثّل مقالات الصحف التي عرضت عن الموضوع دليلاً على وجود الصواريخ، بينما تشدّ الوتيرة البطيئة للفيلم المشاهد لتؤكد على أهمية الصورة في هذا الحدث. إلى جانب ذلك، نجح المخرجان في ابتكار انتقال سلس بين اللقطات الجديدة وتلك التاريخية التي أعادوا ترميمها بعدما حصلوا عليها من البروفيسور مانوغيان. وبما أن الدليل الأكبر على الصواريخ هي الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو القديمة، فإنها تطبع الفيلم بطابعها ليربط المخرجان الصور الثابتة من الماضي بالصور الحديثة في الحاضر. يضمن هذا الأسلوب إشراك المشاهد بالقصة ليحمله إلى تلك اللحظات المنسية من تاريخ الوطن والأمة.
من المتوقع أن تعكس الأفلام الوثائقية جوهر قصص جديدة غير مروية في السابق ومشاركتها مع الجمهور على المستوى العالمي، وهذا ما يقوم به “النادي اللبناني للصواريخ” فعلاً. إنه انعكاس لمجموعة صغيرة من الناس الذين لم يستسلموا ولم ينسوا أحلاماً يمكن أن تشكل صدمة للوطن.
'The Lebanese Rocket Society' Trailer
إعلان فيلم 'النادي اللبناني للصواريخ'