يعرض الآن في الدوحة! : "ذا غراي" (الرمادي)
09 فبراير 2012

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام
الفيلم: “ذا غراي” (الرمادي)
إخراج: جو كارناهان
بطولة: ليام نيسون، ديرموت مولروني، فرانك غريلو
العام: 2012
مدة العرض: 117 دقيقة.
video#1
تتحطم طائرة في ألاسكا؛ يجد الناجون أنفسهم مطاردون من قبل مجموعة من الذئاب. إنها معركة شرسة مع الطبيعة القاسية والحيوانات المفترسة الغاضبة. يقوم عمل أوتواي على قتل الذئاب التي تهدد حياة العاملين في تجميع خطوط الأنابيب. وهو يطلق عليهم وصف “الرجال غير الصالحين للبشرية”. يعتري الغموض حياته، وهو منفصل عن باقي زملائه.
توضح لنا افتتاحية الفيلم نوعية الحياة التي يعيشها أوتواي، وذلك من خلال مشاهد من الماضي، تكشف لنا خسارته لحبه الحقيقي الوحيد. نمط حياته بطيء، تملؤه مرارة رجل يشعر بأنه لم يعد لديه ما يخسره، ويحاول الانتحار. في اللحظة الأخيرة، يتراجع ولا يضغط على الزناد؛ يعزز لديه مشهد ذئبٍ يصارع الموت بعد أن أطلق النار عليه روح الأمل مجدداً، ويفتح عينيه على فلسفة عبثية الحياة والموت.
يمكن القول بأن طابع الفيلم كارثي بامتياز: يجد أوتواي نفسه فجأةً عالقاً في وسط صقيع مكان مجهول بعد تحطم طائرة كانت تقلّه وزملائه في رحلة في جبال ألاسكا. يأخذ أوتواي على كاهله مهمة الاعتناء بالناجين، وكالفتى الذي ينتمي إلى فرقة كشافة، يرشدهم إلى أساليب البقاء على قيد الحياة، أما هم فيتبعون تعليماته بعد أن سيطر عليهم الخوف واليأس. لكن سرعان ما تتحول المعركة الكلاسيكية إلى حد ما بين الانسان والطبيعة، إلى معركة أُخرى أكثر قساوةً حين تعترضهم مجموعة من الذئاب تحاول حماية منطقتها. هذه الذئاب لا تبحث عن طعام، إنها تمارس التهديد عبر القتل. وهكذا، يقترح أوتواي، الخبير الوحيد بالتعامل مع الذئاب على متن هذه الرحلة، تغيير الموقع باتجاه الأشجار، حيث تواجه المجموعة غضب الثديات المتوحشة.
في لوحة من الألوان التي يسيطر عليها اللونان الرمادي والأبيض، يتعادل الانسان والذئاب في القدرة على المحاربة. ويتحول الصراع إلى منافسة بين نوعين من الكائنات. تأخذ مشاهد الأكشن طابعاً كلاسيكياً إلى حد ما، ولا يعود التكهن بهوية الضحية القادمة صعباً، حتى مع دخول عنصر المفاجأة على هذه المشاهد.
ما يعطي الفيلم رصيده هو ارتقاء النفس البشرية فيه إلى الروحانية. لم تعود انفعالاتهم وتفكيرهم وتصرفاتهم مقتصرة على حب البقاء، بقدر تقبّل قدر غامض ليس لديهم سيطرة عليه. ليس بمقدورهم سوى المقاومة.
في إعلان الفيلم، نرى دماءاً وتشويقاً يفوق ما قد نتوقعه. في حين أن أحداث الفيلم تتمركز حول ظروف الرحلة التي تقرّب الرجال إلى بعضهم البعض، وتدخل في مكنونات الشخصيات السطحية التي كان يحتقرها أوتواي. وكلما عرفنا المزيد عنهم، كلما بدو لنا أكثر تشابهاً.
لم تكن مشاهد الثلوج والعواصف في الفيلم خدعاً سينمائيةً منتجةً عبر المؤثرات الخاصة، فقد اضطر الممثلون تحمل قساوة المناخ والتصوير بحرارة وصلت إلى 40 دون الصفر في سميذرز في مقاطعة كولومبيا البريطانية. وكانت النتيجة مشاهد مصورة في عواصف طبيعية خلابة.
قد لا ترقى النهاية إلى مستوى الإثارة الذي يتوقعه البعض لهذه النوعية من الأفلام. لكن أعترف أن النهاية بدت ناضجة، شبيهة بالاكتشاف الروحاني. إنها نهاية مكملة لدورة الحياة والموت التي افتتح بها الفيلم، وهذا ما يميّزه عن أفلام أخرى من هذا النوع.