المدوّنة

العودة الى القائمة

يعرض الآن في الدوحة: الهوبيت: زيرو دارك ثيرتي

31 يناير 2013

بقلم ألكسندر وود

بدأنا مشاهدة الفيلم في الظلام الدامس، ذلك لأن الأنوار في صالة السينما مطفأة بالطبع، والشاشة الكبيرة أيضاً. لم نرَ شيئاً في البداية وإنما سمعنا أصوات طيارين، ومواطنين وعمّال إغاثة، حرّكت خيالنا لنكتشف غريزياً أنها تعود إلى اللحظة التي بدأت فيها الحرب على الارهاب- هذه الحرب التي غيّرت إلى لا رجعة صورة العديد من الدول وحياة الأشخاص الذين يعتبرونها أوطانهم. تلاشت العتمة وإذ بنا نرى مشاهد للعديد من “المراكز الرهيبة” التي تم إنشاؤها لغرض استجواب وسجن كل من أمسكت به الاستخبارات الأمريكية. ثم تتتابع الأحداث التي جرت خلال عقد من الزمن بكل ما فيه من محاولات لاقتفاء أكثر إنسان مكروه في العالم، فنكتشف أن الفيلم لم يتوانَ عن سرد تاريخي في قالب عاطفي لهذه الأحداث.

لا بد من الاشارة إلى أن بدء الفيلم بشاشة مظلمة هي تقنية قوية جداً، لا تعتمد على الصورة الأسطورية للطائرات التي اخترقت برجيْ التجارة العالميين في 11 سبتمبر 2001. يستخدم المشهد التاريخي المشترك لدى المشاهدين كي يصنع صورة ذهنية، تؤججها أصوات أولئك الذين علقوا في البرجيْن والطائرات. ومن خلال استخدام الأصوات فقط، يكتسب الفيلم لغةً عالمية- ليمكّن المشاهد من تصوّر الضحايا. إن أحداث 11 سبتمبر تأرشفت في أكثر الصور أسطوريةً في تاريخ التصوير، وهي صور طُبعت في الذاكرة الجماعية لملايين البشر. مخرجة الفيلم كاثرين بيغلو تفهم جيداً بأن الاحساس واستيعاب أحداث ذلك اليوم، ليس الجهور مضطراً لمشاهدة الصور والمشاهد التي بدأت الحرب على الارهاب- لأنهم عاشوها مراراً وتكراراً.

هذه الطريقة في إدخال المشاهد في الفيلم تتيح له أن يتذكر اللحظة التي سمع أو رأى فيها الطائرات تصطدم بالبرجيْن ويتصوّر تجربته على الشاشة في بداية الفيلم. في هذا الاطار، يصبح الجمهور مسؤولاً عن نظرته وطريقة تفاعله مع أول ثلاثين ثانية من الفيلم. نرى أيضاً طريقة ترك المجال لخيال المشاهد في أسلوب التصوير بالكاميرا المحمولة طوال مدة الفيلم. هذه التقنية تمنح المشاهد الشعور بأنه داخل المشهد، يرى ويسمح الأحداث مباشرةً. لقد صنعت المخرجة فيلماً يتيح هذا الشعور للمشاهد ويدفعه إلى تخيّل تجربته الخاصة أثناء المشاهدة.

ينقسم الفيلم إلى العديد من الفصول، بحسب المكان أو اسم الخلية الارهابية التي تصوّرها الكاميرا. في المرة الأولى التي يتعرّف فيها المشاهد على هذا النوع من التقسيم، نرى “الجماعة السعودية”. ومن خلال سرد المعلومات عبر نصوص على الصورة، يتعرّف الجمهور على الزمان والمكان للأحداث المتوالية. كما أن استخدام عناوين مكتوبة على الشاشة لرواية قصة حدثت منذ عقد من الزمن، يصبح من السهل علينا متابعة التسلسل الزمني للمعلومات التي يسردها الفيلم. أذكر من هذه العناوين “خطأ بشري“، “حرفة التجسس“، “جزر الكناري“، وهي إضافة مميزة على الفيلم، تنبؤنا بالأحداث التالية. هذه الطريقة تسمح مرة أخرى للمشاهد بتنبؤ الأحداث القادمة، وتجميع أجزاء القصة التي يعرفون نهايتها. ومن خلال مد المشاهد والأماكن بتفاصيل تاريخية، يكتسب الفيلم دقةً تبعده عن الأفلام الهوليوودية التقليدية التي غالباً ما تعمد إلى تمييع الأحداث التاريخية.

وفي الفيلم أيضاً مشاهد مأخوذة عن المحتجزين، تظهر التعذيب والمعاملة غير الانسانية التي تعرّضوا لها. وهذا لا يضيف فقط طابع الواقعية على العمل، إنما يفضح أيضاً الوحشية التي اتسمت بها ملاحقة أميركا للرجل الذي كان وراء أحداث 11 سبتمبر. وإن أكثر المشاهد ترويعاً في الفيلم هي تلك التي تصوّر طرق التعذيب، ومعاملة المسجونين. لا، لا يحتوي هذا الفيلم على صورة ملمّعة لأميركا كما في الأفلام الهوليوودية التي اعتدناها، مما يسمح للمشاهد بتقبّل الفيلم كعمل واقعي غير خيالي.

نرى في الفيلم أيضاً محاولات لإبراز العرب والمسلمين بصورة حسنة، مما يوجد بيئة متعددة وجهات النظر. هناك الكثير من الشخصيات الثانوية والأساسية تتحدث العربية، لإبراز العنصر العربي في الأحداث. نرى مثلاً أحد العناصر الاستخباراتية الأميركية رفيعة المستوى، يصلّي في مكتبه قبل دخوله إلى اجتماع. عبر هذا المشهد، نستطيع أن نميّز أن أتباع الاسلام يملكون وجهات نظر مختلفة تجاه أسامة بن لادن. كانت مريحة رؤية كاثرين بيغلو وهي تحاول تصوير هذه النظرة إلى العرب والمسلمين.

أما المميز في الفيلم فهو دورانه الكامل لينتهي بنفس الطريقة التي بدأ بها. في اللحظات الأخيرة، نرى مايا (جسيكا تشاستاين) وهي تركب طائرة شحن عسكرية. ثم يسود الصمت وتبدأ هي بالبكاء بعد أن زاح حمل عشر سنوات من العمل التجسسي عن كاهل الجميع. اللافت في هذا المشهد هو تركيزه على الشخص الذي يكافح الارهاب وليس شعبه ككل. الثواني الأخيرة للفيلم تظهر مايا حركة مايا التي نفّست بها عن مشاعرها، ثم تعود إلى الشاشة السوداء التي بدأ بها الفيلم في البداية.

بشكل عام، التصوير والتمثيل والحبكة كلها مميزة، تتداخل فيما بينها لتؤمن نظرة جذابة عن كل الثقافات المتورطة في الأحداث. تترك كل من البداية والنهاية حرية التفسير للمشاهد وتخيّل قصته الخاصة عن تلك التجربة التي شاهدها في الفيلم.

video#1

blog comments powered by Disqus