المدوّنة

العودة الى القائمة

السينما الجزائرية: ما بين الماضي والحاضر - الجزء الثاني

10 نوفمبر 2012

من الماضي إلى الحاضر

بقلم فريق برمجة الأفلام بمؤسسة الدوحة للأفلام

تجري أحداث فيلم عمر قتلاتو 1976 الذي أخرجه مرزاق علواش في أحد أشهر الأحياء الجزائرية، باب الواد. وينجح الفيلم في الافتكاك من موجة أفلام البطولات التي انتشرت ما بعد نيل الاستقلال، لكي يغوص في أعماق ثقافة الشباب في تلك الحقبة من الزمن. كما أن الفيلم ابتعد عن السياسة التقليدية للأفلام التي تصوّر الأوضاع ما بعد الحرب، لكي يلقي الضوء على الهوية العربية الاسلامية التي فرضت حتى على شخصيات منطقة القبائل الجزائرية التكلم بلهجة عربية نظيفة ومصطنعة. غير أن فيلم عمر قتلاتو أصرّ على تقديم مزيج من لغة الشارع الشبابية بدلاً من ذلك. كما أنه سخر من شخصيات القبضايات الذين انتشروا بشكل واسع، وكما هو واضح في عنوان الفيلم- فـ“قتلاتو” تعني حرفياً “الفحولة قتلته”. وقد شكّل الفيلم تبايناً واضحاً بالمقارنة مع العديد من الأفلام التي عالجت سيرة التحرير.

Omar Gatlato (1976)

وبدلاً من الاضاءة على بطولة وغموض المقاومين، لم يلمح الفيلم من قريب أو بعيد إلى أي كفاح داخلي حالي أو تاريخي، جرت وقائعه في المجتمع الجزائري نفسه. لقد بدأت من هذا المنطلق موجة الأفلام ذات التوجه الاشتراكي والتي بدأ إنتاجها في السبعينات، وصوّرت البنية الاستغلالية للمجتمع التقليدي الذي همّش النساء والفقراء. ومع ذلك، معظم تلك الأعمال، منها الفيلم الشهير “الفحّام” للمخرج محمد بوعماري عام 1972، كانت مثالية في مقاربتها، مروّجةً بذلك، ودون أدنى تمحيص لمبادىء الحداثة والاشتراكية.

وبرغم أن المكتب الوطني العام للتجارة والصناعة كان من أنتج هذه الأفلام، حاولت هذه الأعمال نيل إعجاب الجمهور الجزائري من خلال إضافة مشاهد الأكشن أو عناصر شعبية أخرى. وهكذا لم ينجح معظمها، باستثناء فيلم “حسن ترو” (1968) للمخرج محمد لخضر حمينة، وبطولة الممثل الكوميدي المشهور أحمد رويشد الذي لعب دور بطل متردّد. وأدّى هذا العمل إلى ظهور سلسلة كاملة من الأفلام التي تظهر الشخصية ذاتها، غير أنها لم تنقذ الانتاج الحكومي. حدث التمزّق في القطاع العام في الوقت الذي أعيد فيه تنظيم المكتب الوطني العام للتجارة والصناعة المثقل بالديون عام 1984، والذي فكّك أولاً جهاز السينما الحكومية ومؤسساتها عام 1993، وانتهى بإغلاق كامل عام 1998.

وعلى الرغم من الأزمة البنيوية، شهدت السبعينات والثمانينات تنوعاً كبيراً في الأساليب والمقاربات، إلى جانب ثبات النقد الاجتماعي، كما في حالة محمد شويخ وسيد علي مازيف. من ناحيته، قام ابراهيم تقي بإنجاز أفلام ذات توجه شخصي وإنساني، بينما اعتنق جان بيير ليدو أسلوباً أكثر طليعية وذاتية وكان عليه الانتظار الكثير من الأسباب كي يتم أفلامه في النهاية.

بشكل عام، أثبت التلفزيون الجزائري جرأةً أكبر في مقاربته للأعمال الجديدة والطليعية. في العام 1977، على سبيل المثال، أنتجت المؤسسة الوطنية للانتاج المرئي والمسموع فيلم نوبة نساء جبل شنوة للمخرجة آسيا جبار. هذا الفيلم الذي يستمد عنوانه وبنيته من النوبة، وهي أغنية تقليدية، يخلط فيلم المخرجة جبار الأسلوب الروائي بالوثائقي لتوثيق ولادة التاريخ النسائي الشخصي والثقافي.

The Nouba of the Women of Mont Chenoua (1977)

أما فيلم “نهلى” للمخرج فاروق بلوفة عام 1979، وهو إنتاج المؤسسة الوطنية للانتاج المرئي والمسموع، فيستحق الذكر أيضاً، لا سيما أن أسلوبه كان متجدداً، ولكن أيضاً لأنه صورة سينمائية لبيروت خلال الحرب الأهلية. ومع ذلك سهّلت المنافسة ما بين التلفزيون والقطاع العام تعاقب تفكك الأخير. هذا، وبالاضافة إلى رعب العام 1990، أرغم عدداً كبيراً من صناع الأفلام والتقنيين على العيش في المنفى.

مواضيع ذات صلة:

السينما الجزائرية: ما بين الماضي والحاضر – الجزء الأول
السينما الجزائرية: بين الماضي والحاضر – الجزء الثالث

blog comments powered by Disqus