المدوّنة

العودة الى القائمة

السينما الجزائرية: بين الماضي والحاضر - الجزء الثالث

11 نوفمبر 2012

Fidaï (2012)

المستقبل.

بقلم قسم برمجة الأفلام بمؤسسة الدوحة للأفلام

أثبتت التسعينات بأنها نقطة التحوّل في قطاع السينما الجزائرية، بعد أن انتقل قسم كبير من إنتاجه إلى أراضي المستعمر السابق. لقد أجبر تفكّك القطاع السينمائي العام وانتشار الرعب السياسي صنّاع الأفلام أمثال مرزاق علواش الذي كان لم يغادر الجزائر بعد، إلى الذهاب للعيش في المنفى، بسبب الظروف السيئة وغير المشجّعة على الانتاج. عاد علواش عام 1994 بأموال فرنسية لصناعة جزء ثانٍ مكمّل لفيلمه الأول “عمر قتلاتو” (1976)، وهو “مدينة باب الواد“، والذي جرت أحداثه في حي باب الواد ذاته. استعان الفيلم مجموعة شخصيات شبيهة تتحرّك في ظلّ الظروف المختلفة حتماً والتي سادت في التسعينات، حيث شهدت البلاد عنفاً متبادلاً ما بين الاسلاميين والدولة.

وعادت قضية المرأة إلى مركز الاهتمام. بعض الأفلام القليلة التي صُنعت في هذه الفترة، أمثال “توشيا” (1993) للمخرج محمد رشيد بن حاج، انتقدت بشدّة الهيمنة الرجولية، وألقت باللوم على المتطرّفين دينياً وقوات التحرير القومية التي تسلّمت زمام السلطة، متهمةً إياهم باضطهاد المرأة. التوجّه ذاته ظهر أيضاً في أعمال المخرجات النساء الأوائل اللواتي بدأن بالظهور خلال تلك الفترة، ومنهن: حفصة زيناي كوديل، يامينا بشير-شويخ، ناديا شرابي، وجميلة صحراوي التي لا يزال فيلمها الروائي الثاني “يما” (2011) يعرض القضايا النسائية ذاتها في المجتمع الجزائري الحالي.

وقد شهد “العقد المظلم” في الجزائر تطوّراً هاماً آخر – وهو ظهور أعمال باللغة الأمازيغية من ثقافة البربر. أحد هذه الأمثلة هي فيلم “ماتشاتشو” (1995) للمخرج بلقاسم حجاج، وفيلم “جبل بايا” (1997) للمخرج عزالدين مدور. هذا التنوّع والميول المتعددة أثر في أعمال المخرجين المقيمين في فرنسا أمثال محمود زموري وعكاشة تويتا، اللذان أضاءا على تاريخ العنصرية والاضطهاد اللذين واجههما المهاجرون الجزائريون في فرنسا، أو غاصا في صراع الثقافات الذي كان يواجه أولئك الذين كانوا مضطرين على التنقّل المستمر ما بين أرض الوطن وأرض المهجر.

في الوقت ذاته، عمد جيل المهاجرين الجزائريين الثاني في فرنسا، أمثال رشيد بوشارب ومهدي شريف وعبدالكريم بهلول، إلى تأسيس ما يُدعى بـ “سينما بور” التي اهتمّت بمشاكل هذه المجتمعات في فرنسا. وشهد العام 2000 فرنسيين من أصل جزائري أمثال نادر مكناش، ممن قدّموا أفضل الأعمال الكوميدية الشمال أفريقية المصوّرة في الجزائر. أفلام مثل “حريم مدام عثمان” (2000) و“مسخرة” (2008) للمخرج ليث سالم. في المقابل، نحى مخرجون آخرون بأنفسهم من خلال أسلوبهم ومواضيعهم ومقارباتهم الجريئة، أمثال رابح عامر زيماش الذي أخرج فيلم “المعقل الأخير” (2008) وداميان عونيري الذي يُعرض فيلمه فدائي عام 2012 في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي هذا العام.

في الجزائر نفسها، تطلّب القطاع السينمائي وصول الألفية الجديدة وانتهاء الحرب الأهلية الوحشية، لكي يظهر جيل جديد، يمثّله مالك بن اسماعيل وطارق تقية، إضافةً إلى آخرين، ويبادر إلى إطلاق موجة جديدة من الأفلام الوثائقية والخيالية التي وعلى الرغم من معاناتها من ترتّبات النزاعات الماضية والحاضرة، إلا أنها تبشّر بعصر جديد مختلف كلياً من السينما الجزائرية المستقلة.

مواضيع ذات صلة:

السينما الجزائرية: ما بين الماضي والحاضر – الجزء الأول
السينما الجزائرية: بين الماضي والحاضر – الجزء الثاني

blog comments powered by Disqus