المدوّنة

العودة الى القائمة

ليلة افتتاح مهرجان برلين: "وداعاً، يا ملكتي"

10 فبراير 2012

بقلم برهان وزير، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام

الفيلم: وداعاً يا ملكتي
إخراج: بونوا جاكو
بطولة: ديان كروغر، ليا سايدو، فيرجيني لودوايان
العام: 2012
مدة العرض: 112 دقيقة.

من المرجح أن مقارنات خمولة كثيرة ستظهر بين الربيع العربي وأي فيلم يتناول ثورات الشعوب سيصدر في السنوات القليلة القادمة. بدت رياح الثورة تسير بشكل سريع في فيلم بونوا جاكو “وداعاً يا ملكتي“، الذي يسرد لنا أحداث شهر يوليو من العام 1789. في أسبوع ماطر في فرنسا، تقتحم مجموعة من الطبقة الفقيرة الجائعة سجن الباستيل في باريس، الذي يمثّل رمز استبداد السلطة الحاكمة آنذاك، مستولين على أسلحة وذخائر. يصدر المحتجون لائحة مطالب تتضمن الدعوة إلى إعدام ما يقرب 3000 من الشخصيات المؤثرة في تلك الحقبة. تظهر بوادر تغيير النظام في أكثر من مكان، تملأ الفئران النافقة الـ“غراند كانال” المحيطة بقصر فرساي، الأمر الذي يروّع أفراد الأسرة المالكة. أمّا ملكة فرنسا ماري أنطوانيت (ديان كروغر)، فمصرّة على تجاهل الواقع، تجلس في سريرها متصفحة أحدث مجلات الموضة.

الملكة محاطة في مهمتها هذه بعدد من الوصيفات، من بينهن سيدوني لابورد (ليا سايدو)، الفتاة المكلفة بسرد القصص وقراءة المسرحيات للملكة. تبدو لابورد مقربة جداً من الملكة، وبشكل أو بآخر مفتونة بها. تمارس عملها بخوف وحسد واحترام. وعلى الرغم من المحاولات الدائمة لطمأنتها على مصيرها نتيجة ما يجري خارج القصر، إلاّ أنها تشعر بالخيانة عندما تطلب منها الملكة انتحال صفة ارستقراطية فارة بصحبة غابرييل دي بولينياك، التي سترافقها مرتديةً لباس الخادمة. فانفضاح أمرها سيكلفها حياتها، فيما لن يصيب بولينياك أي مكروه.

لا شيء غير مألوف في سير أحداث الفيلم – بالمقابل فإن صوفيا كوبولا في فيلمها “ماري أنطوانيت” (2006) قاربت الثورة الفرنسية بشكل مختلف، إذ وضعت “كريستين دانست” في إطار مختلف بدت من خلالها تصرفات العائلة الحاكمة في فرنسا أشبه بسلوك مراهقين يتحضرون للذهاب إلى حفلة من حفلات برنامج “عيد مولدي الـ16” على قناة أم تي في. من الواضح أن فيلم “وداعاً يا ملكتي“، الذي يستند إلى رواية توماس شانتال كانت مقاربتة مختلفة نوعاً ما، وأظهر الفيلم ذو الميزانية المنخفضة، نهاية حقبة خيالية عاشتها فرساي، بقاعاتها المذهبة، وأثاثها المرصع بالجواهر والملابس الفخمة التي زينت مظهر حاشية القصر. أمّا موظفو البلاط، فتميّز سلوكهم بالإذعان المستمر لأوامر أسيادهم، وجلساتهم مليئة بثرثرات لا توفر من يعملون لديهم، وتنبؤات حول مستقبل فرنسا ما بعد الثورة.

وللأسف، فإن أجواء قصر فرساي لا تشبه بأي شكل السياسة المتبعة في برنامج “عيد مولدي الـ16”. على عكس فيلم كوبولا الذي تنكر لكثير من المراحل التاريخية، نجح فيلم “وداعاً يا ملكتي” في الاستفادة من كافة جوانب الحياة اليومية التي عاشها البلاط الملكي. وكما يقال دائماً، فهناك دسائس متربصة خلف جدران كل قصر، إلاّ أن أغلبها لا يظهر على الشاشة. في مرحلة من المراحل، وجدت نفسي غارقاً في تقييم عمل لابورد، والذي لا يختلف عن أي طالب متسرّب.

يمكن القول إن النهاية بدت متوقعة. يقرر قاطنو القصر مغادرته بعد تعرّض بعض أفراد العائلة الحاكمة لاعتداء في أحد الشوارع الباريسية. بعد مغادرة العائلة للمرة الأخيرة، في العربات المحمّلة بمجوهراتاهم وأثاثهم الثمين، ليخرج من يقول “إن الملك سيتفقد الآن حرارة قاعة العرش”. باردة كالثلج كما أتخيل. تماماً كما صوره فيلم جاكو عن الثورة الفرنسية.

blog comments powered by Disqus