المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: حاوي (2010)

07 أغسطس 2011

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام

الفيلم: حاوي
العام: 2010
إخراج: ابراهيم البطوط
بطولة: ابراهيم البطوط، محمود أبو دومة، رينا عارف، هاني الدكاك
النوع: دراما

‘حاوي’ (ساحر أو مشعوذ) يتأمّل في قصص عدد من الأشخاص، في شكل قد يبدو أنه عدد من الحبكات غير المتصلة أو غير المترابطة. وتدور هذه القصص في مدينة الاسكندرية المصرية، حيث يعبّر ابراهيم البطوط من خلال شخصياته عن صورة واقعية لأشخاص عاديين قد نصادفهم في حياتنا، زاعماً بأن الأحداث الواقعية التي تحدث في حياتهم، مثيرة للاهتمام. وهو قد توقّف للتأمل حيث عبر الآخرون غير عابئين بما يحصل، وجمع أشلاء متعددة لمجتمع يائس، فاقدٍ للأمل.

للترجمة العربية اضغط على

Hawi - Trailer

إعلان فيلم حاوي

يبدأ كل شيء من عند بحر الاسكندرية: بؤس، سعادة وأحلام. وتتتابع القصص بموازاة بعضها البعض، في ما يشبه البنية متعددة الحبكات، كما في أفلام مثل ‘كراش’، و ‘منغوليا’, لكن بأجواء مختلفة، كأفلام الرحلات المستوحاة من نوع المخرج السينمائي المعروف عباس كياروستامي. وتتمازج الأحداث بخطوات بطيئة لكن تلقائية، مترائية لنا بسلاسة في قلب كل شخصية. ثم تجرنا قصص تلك الشخصيات إلى الروتين اليومي لأشخاص، يبدو أن لا شيء يجمع بينهم.

يبدأ الفيلم مع يوسف (محمد السيد) الذي أطلق سراحه تواً من السجن… وجل ما يفكر به هو ابنته الكفيفة الجميلة، التي لم تكف يوماً عن شعورها بالشوق نحوه. وبعد سنوات من الغياب، تشعر بحضور والدها في مشهد تؤديه ببراعة تخطف الأنفاس، تظهر فيها العلاقة الروحانية القوية التي تربطهما. ويجتاح يوسف هوس قوي بتأمين مستقبل مشرّف لابنته مهما كلفه الأمر، يسيّره الحب الكبير الذي يكنانه لبعضهما البعض.

أما ابراهيم (ابراهيم البطوط) الذي يشبه يوسف، والذي يظهر بعد سنوات من الحياة في منفاه بفرنسا. وهو يحاول أن يستعيد العلاقة مع ابنته آية (بيري معتز)، من خلال توظيفها في برنامج تلفزيوني. غير أن آية لا تعرف بأن مديرها – الذي يبدي الكثير من الاهتمام بها – هو في الواقع والدها. ومنذ اللحظة التي يجري معها مقابلة العمل، يشعرنا هذا اللقاء الغريب بالشوق لمعرفة ما إذا كانت ستتكشف لها هويته الحقيقية أم لا.

ومن ثم هناك شخصية مميزة – وهي المفضلة عندي في الفيلم- وهي حنان (رينا عارف). هذه المرأة تخاطر بسمعتها لأنها تحب مهنتها كراقصة شرقية. فهي الشيء الوحيد الذي يشعرها بالسعادة. في الوقت ذاته، هي تواجه المعتقد الاجتماعي الذي يدين فنها. وحين يقوم بعض اللصوص بمهاجمتها، يلجأ ضابط الشرطة إلى الاستمتاع بإهانتها- بدلاً من مساعدتها. فبالنسبة له، هي ليست سوى راقصة لا تستحق الاحترام. فتدافع عن نفسها بثقة بالغة قائلة “أنا راقصة شرقية مثقفة وأمارس هذه المهنة لأني أحبها”. هذا المشهد الرائع يشكّل تعبيراً قوياً لكل من ضابط الشرطة القاسي والمشاهدين.

في الوقت ذاته، يغني جعفر (شريق الدسوقي) شقيق حنان الذي يعيش في عزلة، أغاني تعبّر عن الوحدة. فهو ليس قادراً على تقبّل حقيقة أن حصانه، وصديقه الوحيد، على وشك الموت.

ويصوّر البطوط هذه القصص المختلفة بعين مسافر يعرف مدينته جيداً. إنه يطبق رؤية مميزة بأسلوب متمرد. بالاضافة إلى ذلك، فهو قد صوّر فيلمه بأقل الامكانيات ومتعاونين من الممثلين الهواة الذين لم يتلقوا أجراً. لقد تلقى الممثلون تعليمات مقتضبة عن أدوارهم، واكتشفوا السيناريو شيئاً فشيئاً، فقط حين بدأت الكاميرا بالتصوير. والمثير للاهتمام في الفيلم، هي طريقة اختيار الممثلين، والتي استمتعت بالقراءة عنها في الموقع الالكتروني الرسمي لفيلم ‘حاوي’. تلك الأدوات غير التقليدية، والقائمة على حوار مرتجل، أكسبت أبطال الفيلم حلّة واقعية دون شك. أما الأداء فيختلف من ممثل إلى آخر، غير أنه يتماشى بشكل وثيق مع الحياة اليومية في مصر اليوم.

في فيلمه الروائي الثالث هذا، يصوّر البطوط الأجزاء الاجتماعية والسياسية لمجتمع ممزق لكن محترم، دون أن يحكم عليه. ويعكس هذا الفيلم كل جوانب وزوايا المدينة، وكل الأعمار والطبقات الاجتماعية. يصورها لنا بدون أية أقنعة إلى أن يتشابه الجميع في بحثهم عن مهرب. ويبدو أن الجميع يختبئون من أو خلف الأشياء التي تجلب لهم السعادة. هذه السعادة التي تأتي من أشياء بسيطة، كمصادقة حصان، أو الرقص الشرقي، أو من النظر في عيني طفلة فحسب. والحياة تجبرهم على التنقل ما بين صراعاتهم اليومية وأحلامهم.

لقد فاز هذا الفيلم بجائزة أفضل فيلم عربي في النسخة الثانية لمهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي (شاركت مؤسسة الدوحة في إنتاجه). وعبر قصته الساحرة، يضيف فيلم ‘حاوي’ معنى جديداً للسحر، يختصره في كلمات أغنيته الرائعة التي تقول “بقيت حاوي، بقيت غاوي في عز الجرح أنا ما أبكيش… بقيت قادر أطلع من ضلوع الفقر لقمة عيش…بقيت قادر أداري الدمعة جواية ما بينهاش…“، وهذا هو السحر الحقيقي الذي نجده في الناس!

للترجمة العربية اضغط على

Ibrahim El-Batout - Interview

مقابلة مع ابراهيم البطوط

blog comments powered by Disqus