نقد سينمائي: العراق المشتت (2006)
25 سبتمبر 2011

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام
الفيلم: العراق المشتت
إنتاج العام: 2006
إخراج: جايمز لونغلي
بطولة: محمد هيثم وسليمان محمود
النوع: وثائفي
تجرى أحداث الفيلم الوثائقي في العراق بعيد سقوط الدكتاتور صدام حسين، وسيطرة القوى الأجنبية على البلد. وما يُفترض أن يكون دعماً للحرية يبدو أنه يقسّم البلد إلى أجزاء.
يعرض الوثائقي الذي رُشّح لجائزة أوسكار، لبعض المشاهدات المختارة التي تم تصويرها على مدار سنة كاملة (2003-2004)، بهدف شرح التداعيات الداخلية لبلد مزقته الحرب. يُبرز الفيلم وجهات نظر ثلاث مختلفة، سنية، وشيعية وكردية، رواها الشهود العيان الأكثر صدقاً، وهم الأطفال.
يبدأ الفصل الأول من الوثائقي مع الطفل السني اليتيم محمد، 11 سنة، يعيش مع عمه، وقد أُجبر على خوض مجال العمل، الأمر الذي أفقده قدرة الحلم وهو أفضل ما يتقنه الأطفال في سنه.
يظهر محمد متقبلاً لظروف الحياة القاسية كمعاملته بالصراخ وتلقيه التأنيب المستمر بسبب عدم قدرته على كتابة اسم والده، والعقاب بسبب مغادرته العمل للعب مع باقي الأطفال. ما الذي يتبقى له؟ تلك القوة المفروضة عليه تتلاعب بفصول مستقبله.
يبدي محمد رغبة في ارتياد المدرسة، إلا أنه يخجل من حقيقة أنه يكبر زملاءه بأربعة أعوام، ويعمل في محل لتصليح السيارات. لكنه لا يزال قادراً على صياغة آراءه الخاصة حول بلده والقوى العسكرية الأميركية، ناقلاً على الأغلب ما سمعه من الكبار، ومعبراً عنه بأسلوبه البريء. بالنسبة إليه، يعني انتخاب رئيس جديد للجمهورية تغيير النشيد الوطني الذي ينشدونه كل صباح في المدرسة، “يجب أن نغني نشيداً آخراً إن أصبح لدينا رئيس جديد، علينا أن ننشد بطريقة مختلفة”.
يتوق محمد لماضي جميل عايش القليل منه. جلّ ما يذكره من هذا الماضي هو الجسور غير المهدّمة، البحر النظيف والأسماك الملونة. ويقتصر حاضره على الطرقات التي يملأها الدخان، والدبابات، والجنود والدمار. ومن خلال نظرة محمد هذه، يبدأ الفيلم عارضاً لصورة سمكة ذهبية تغطي مدينة بغداد، فهي عنصر يوحي بالحياة والأحلام..
محمد يخاف من الليل، لكن هذا لا يمنعه من الحلم أن يكون طياراً في المستقبل. يقول: “أرغب في قيادة طائرة، لأرى مكاناً جميلاً وجيداً. ليس العراق، إنما مكان جميل. تراودني فكرة التحليق عالياً في السماء. ألتقي بالطيور، وأهبط إلى هذه البلدان، هذه البلدان الجميلة”. لسوء حظ محمد، لا يبدو أنه يسير نحو تحقيق هذا الحلم.
الفصل الثاني بعنوان “جنوب الصدر“، يروي حياة أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهم في خضم تحضيراتهم لحملة انتخابية. إنهم مصممون على تطبيق الشريعة الإسلامية، ويتهمون صدام حسين بأنه أثار الصراعات المذهبية مدعوماً من القوى الخارجية الإمبريالية. وهم يتوقون إلى تحقيق العدالة بحماسة فائقة يغذيها الغضب، لذلك ليس صراعهم مع القوات الأميركية مستغرباً.
أمّا الفصل الثالث والأخير، فيأخذنا إلى مكان أكثر أمناً وهو كردستان العراق، المليء بعمال يجمعون المحاصيل ويصنعون حجارة البناء. إنهم أكثر تسامحاً تجاه القوات الأجنبية، ويتمتعون بالحكم الذاتي.
بالنسبة إليهم، ساعدتهم الحرب على إزاحة الطاغية صدام. أما كبار المنطقة فيعتقدون أن الصراعات العقائدية بين العراقيين تسببت بالكثير من إراقة الدماء التي ستجعل العيش بسلام صعب التحقيق، على الرغم من بعدهم عن معمعة الاشتباكات. وفي مشهد ترافقه موسيقى جميلة، يعبّر الأطفال بصدق “لا يمكن للعراق أن يقسّم، فكيف لك أن تقسّم بلد بواسطة منشار”.
يعرض المخرج جايمس لونغلي ثلاث رؤى لبلد يناضل بعد الغزو الأميركي. إنه فيلم قوي تتخلله مشاهد صامتة مؤثرة، ولقطات للوجوه والعيون. استطاع لونغلي الخروج من المفهوم التقليدي للأفلام الوثائقية من خلال ابتعاده عن استعمال التعليقات المرافقة للصور، والمقابلات المباشرة للشخصيات أمام الكاميرا. في المقابل، مزج بين مشاهد مؤثرة لشخصياته رافقتها تعليقات بأصواتهم. ففي الوقت الذي يعيشون فيه أيامهم ويقومون بمهامهم اليومية، نسمعهم وكأنهم يفكرون بصوت عالٍ. ما يعطي صورة نادرة عن حقيقة ما يعيشونه. هذا الفيلم يعطينا صورة قاسية وحميمة وغير منحازة لوجهة نظر دون أخرى في هذا الصراع، من خلال استخدام تقنيات بسيطة مبتكرة أطاحت بكل قواعد الأفلام الوثائقية التقليدية.
Iraq In Fragments - Trailer
المقطع الاعلاني لفيلم العراق المشتّت