المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: لا في آن روز (الحياة باللون الوردي)

19 يونيو 2011

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام

الفيلم: لا في آن روز (الحياة باللون الوردي)
العام: 2007
إخراج: أوليفييه داهان
بطولة: ماريون كوتييار، سيلفي تاستود، باسكال غريغوري
النوع: سيرة حياة، دراما، موسيقى

فيلم لا في آن روز (أو الحياة باللون الوردي) يروي سيرة حياة المغنية الفرنسية الأسطورة إيديت بياف. وعنوان الفيلم مقتبس من اسم إحدى أغنيات بياف التي ذاع صيتها، والتي تُرجمت إلى العديد من اللغات، وأدّاها أكبر المغنين في العالم. صدر الفيلم في فرنسا تحت عنوان ‘لا موم’ (أو العصفور الصغير)، وهو نفس اللقب الذي كانت تحمله بياف في بداية مسيرتها الفنية. ويروي الفيلم سيرة حياة بياف، بدءاً من طفولتها وحتى احتضارها على فراش الموت، ملقياً الضوء على بعض الأحداث الهامة التي تخلّلت حياتها المأساوية، بدءاً من الغناء في شوارع باريس وصولاً إلى عالم الشهرة، وما حطّم فؤادها بالاضافة إلى صراعاتها الداخلية. إنها مسيرة مثيرة لصوت لا يموت.

ويسير هذا الفيلم بتراتبية غير منظمة، متنقلاً من وإلى مرحلة طفولة المغنية، مظهراً تداعيات هذه المرحلة على حياتها الحاضرة وعلى أغانيها وشخصيتها.

وقد ظهرت حياة بياف، التي لعبت دورها في الفيلم الممثلة ماريون كوتييار، مثيرة للفضول. فبينما كان والدها في ساحة معركة الحرب العالمية الأولى، تخلّت عنها والدتها، لتصبح فنانة. يعود والدها من الحرب ليجدها مريضة ومُهمَلة. ثم يتخلّى عن بياف ويتركها عند والدته التي تدير بيت دعارة. ويضع ذلك بياف وجهاً لوجه مع حياة الفتيات القاسية في بيت الدعارة، غير أنها تلقى الحماية منهن، لا سيما تيتين (إيمانويال سينييه) التي تعاملها كابنة لها. وبعد سنوات، يعود والدها الذي كان يعمل بهلواناً في سيرك إليها، مما يحزن تيتين. ويصبح والدها عاطلاً عن العمل فيضطر إلى تقديم العروض في شوارع باريس، مصطحباً ابنته البالغة من العمر تسع سنوات إلى عرضها العام الأول. ويتم إرغامها على الاستعراض معه، وفي هذه اللحظة تقرّر استخدام صوتها والغناء ‘لا مارسيياز’. وتسير الأمور على ما يرام بالنسبة إليها في الشوارع، حين يكتشفها بعد عدة سنوات صاحب ملهى ليلي لويس لوبليه (جيرار دوبارديو)، الذي يقودها إلى النجومية. بعد فترة قصيرة تصبح هذه الفتاة الآتية من الشارع حكاية أسطورية تستحق روايتها لأجيال وأجيال قادمة.

وقد خالجتني أحاسيس رائعة لم أشعر بها منذ فترة حين شاهدت الفيلم. صدر الفيلم عام 2007، ومن لم يشاهده بعد، ومن ضمنهم كنت أنا، باستطاعتي القول إن مشاهدتكم له ستكون تجربة ممتعة، إذا كنتم أو لم تكونوا من معجبي بياف.

وبالقدر الذي سرقت فيه بياف قلوب الملايين حول العالم، كان أداء ماريون كوتييار لدور هذه النجمة الأسطورية. لقد منح الفيلم أحقية أن يُقال عنه بأنه تحية لهذه الفنانة الكبيرة. فهي لم تمثّل فحسب؛ لقد تقمست الدور تماماً، إلى درجة أني نسيت في بعض الأوقات أنها تمثّل دوراً. لقد كانت متحدة مع شخصية بياف.

إن تقمس الشخصية أمر بالغ الصعوبة، غير أن كوتييار عملت على كل الصعد في أدائها، بدءاً من لغة الجسد، وصولاً إلى الصوت وتعابير الوجه. وقد نجحت نجاحاً باهراً في أدائها لدور البطولة. لقد استحقت حتماً الأوسكار الذي فازت به، وكان الأول عن دور ناطق باللغة الفرنسية. لا يسعني سوى الاعجاب بأدائها الرائع، ويوافقني كذلك النقّاد، بغض النظر عما كان رأيهم بالفيلم.

حين نتحدث عن بياف، يجب أن نتحدث أيضاً عن الموسيقى. ولقد سنحت الفرصة لمؤسسة الدوحة للأفلام للحديث مع كريستوفر غانينغ مؤلف موسيقى الفيلم الذي حققت له جائزة بافتا لأفضل موسيقى تصويرية. وكان قال عن الفيلم “إنه حالة مثيرة للاهتمام لأن المخرج قرّر منذ البداية أنه سيكون للفيلم موسيقى تصويرية ذات مستوى، منفصلة تماماً عن أغاني بياف، لكن بالطبع كان علي الأخذ بعين الاعتبار طابع أغاني بياف”. وكانت النتيجة أن حققت له جهوده نجاحاً باهراً، وموسيقى تصويرية رائعة تستحق أن توجد في كل المكتبات الموسيقية.

غير أن كل النجاح الذي لقيه الفيلم، والجوائز الثلاثون التي نالها في مهرجانات عدة، لم يكن ليحصل من دون الموهبة الفذة التي يتمتّع بها المخرج الرائع أوليفر داهان، والذي مزج بين كل العناصر بطريقة ساحرة. وقد عبّرت الصورة التي نتجت عن التصوير الجميل بشكل رائع عن الانطلاق من والرجوع إلى طفولة بياف وأيامها الأخيرة. لقد نجح في إيجاد حس بالحنين الشديد، والذي لربما كان الطريق الأفضل لتجسيد حالتها الذهنية وأحاسيسها الداخلية التي كانت تعتمر في نفسها تجاه ماضٍ لم تنسه يوماً. أما الأغاني التي تم أداؤها في الفيلم، فكانت مختارة بدقة لربط مختلف الفترات من حياتها، مع نزاعاتها الداخلية.

وقد ركّز الفيلم بشكل خاص على بياف، ويجدر بي الاعتراف أنه لا زالت لدي بعض التساؤلات حول مصير بعض الشخصيات التي تآلفنا معها في الفيلم. ذلك هو عتبي الخفيف الوحيد على الفيلم. أردت أن أعرف ماذا حلّ بوالدها وبـ تيتين. أردت أن أعرف المزيد عن الأشخاص الذين كانوا حولها طوال الوقت. وقد ترك الفيلم، الذي ألقى الضوء عن كثب على حياتها، مصير كل من كان يحيطها، مجهولاً. من المؤكد أنه من المستحيل تغطية مصائر كل الشخصيات التي تظهر في الأفلام. يجب أن يتم الاختيار. لكن في هذا الفيلم، اختفت الكثير من الشخصيات أثناء تطور أحداث الفيلم.

لكن ذلك لم يمنع الفيلم من أن يكون ملهماً بكل ما فيه من صور تأسر المشاهد وترميه في عوالم هذه الشخصية الشغوفة والغامضة.يا لها من سيرة رائعة، لفتاة آتية من الأحياء الفقيرة، أصبح صوتها رمزاً لفرنسا أكثر من برج إيفل نفسه.

للترجمة العربية اضغط على

La Vie En Rose - Trailer

إعلان فيلم لا في آن روز (الحياة باللون الوردي)

blog comments powered by Disqus