المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: مارلي (2012)

15 فبراير 2012

بقلم برهان وزير، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام

الفيلم: “مارلي”
إخراج: كيفين ماكدونالد
بطولة: بوب مارلي، باني وايلر، ريتا مارلي، كريس بلاكويل
مدة العرض: 144 دقيقة

بعد أن استغرق إنجازه سنوات عديدة، مستعيناً بعشرات المقابلات مع شخصيات مؤثرة، شكّل وثائقي كيفن ماكدونالد عن مغني الريغي الراحل إنجازاً مميزاً لمخرج أفلام “آخر ملوك اسكتلندا” و “يوم واحد في سبتمبر” البريطاني. ففي حين أرّخ كثيرون سيرة بوب مارلي الذاتية في كتب لعلّ أبرزها “كاتش أفاير” للكاتب تيموني وايت، حبك ماكدونالد السياسة بالسيرة الشخصية، ليقدم أرشيفاً آثراً عن جامايكا ونشأة موسيقى الريغي في أوائل السبعينيات.

النتيجة هي فيلم يتضمن تسلسلاً مفصّلاً ومعمّقاً لحياة مارلي، منذ بداياته المتواضعة في البلدة الجامايكية الفقيرة سانت آن باريش، ثم انتقاله إلى ترنشتاون، ومن ثم إلى أكثر الأحياء رفاهة في كينغستون، إلى موته المأساوي المبكر في بافاريا في العام 1981، عن 36 عاماً بسبب السرطان. وفي الفيلم، نرى أن السنوات القليلة الأخيرة لمارلي هي الأروع على الإطلاق، لا سيما حين دخل في صراع بين شهرته العالمية والعنف الذي كان يمزق كينغستون.

في أيامنا هذه، غالباً ما تُختصر حياة مارلي المهنية في ملصق- آخر ملوك الريغي بابتسامته،وشعره المجدول، في صورة تنتشر في غرف نوم المراهقين من كل أنحاء العالم. إلا أن صورة مارلي الموسيقي كانت أكثر تعقيداً. ولد هذا المغني والكاتب الشاب من أب بريطاني أبيض مسن، وعانى منذ صغره من سخرية الآخرين له بسبب أصوله المختلطة. اكتشف موهبته الموسيقية باكراً، لينتقل إلى كينغستون ويتحول إلى ديانة الراستافارية محاولاً من خلالها محاربة تجربته السابقة مع الكراهية.

يمكن القول إن أفضل ما قدمه لنا فيلم “مارلي” هو شرحه لولادة موسيقى الريغي – يتذكر أفراد فرقة ذا وايلرز الموسيقية (فرقة بوب مارلي) ممن بقوا على قيد الحياة، لا سيما لاعب الايقاع باني وايلر، في الفيلم، كيف خرجت أفضل أعمالهم الموسيقية إلى النور . كما تميّز الفيلم بمقابلة مع أبرز منتج لموسيقى الريغي “لي سكراتش بيري“، الذي بات شعره مصبوغاً باللون الوردي الآن، وكان من الشخصيات المؤثرة في بروز فرقة “وايلرز”.

وتماماً كحياته الفنية، كانت حياة مارلي الشخصية مثيرة أيضاً. فحتى لحظة وفاته، كان مارلي قد أنجب 11 ولداً من سبع أمهات. أمّا روتينه اليومي فكان يتسم بالفوضوية؛ كانت طوابير الناس تصطف أمام منزله في كينغستون، طمعاً بصدقة منه. لم يكن أحدٌ منهم يرحل فارغ اليدين. حتى مأساة العنف اليومي في كينغستون لم تثنه عن إكمال مسيرته. وهو على الرغم من إصابته في محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في المدينة، أصّر على تقديم حفلتين مجانيتين في مبادرة لوضع حد لسفك الدماء.

اقترنت كل هذه التفاصيل بأرشيف من لقطات حقيقية لا تُنسى. وكما هو متوقع، لموسيقى مارلي حصة الأسد في الفيلم، وقد حاول ماكدونالد بشتى الطرق توظيف العشرات من المواد التسجيلية لنجم الريغي أثناء عمله. وهناك مقاطع من حفلة موسيقية مثيرة أقيمت للاحتفال بذكرى ولادة دولة زيمبابوي (والتي حضرها روبرت موغابي والأمير تشارلز)، فضلا عن جولاته في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. إلاّ أن الحفلتين الأكثر إثارةً، هما حفلتي كينغستون. ففي حين شجعته معتقداته الراستافارية على نشر رسالة السلام في جميع أنحاء العالم، لم يتخل يوماً عن محاولة إيجاد حل للخلاف السياسي الذي أدى إلى سفك الدماء في كينغستون. إنه فيلم يزيل الغموض الذي لف حياة هذا الموسيقي. وفي نهاية الفيلم، لا يترك شريط الأسماء مجالاً للشك، حول كيفية استمرار صدى رسالته حتى يومنا هذا.

blog comments powered by Disqus