المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: يد إلهية (ديفاين إنترفنشن) (2002)

03 يوليو 2011

الفيلم: يد إلهية (ديفاين إنترفنشن)
العام: 2002
إخراج: إيليا سليمان
بطولة: إيليا سليمان، منال خضر، جورج ابراهيم
النوع: دراما، رومانسية، حرب

يبدأ الفيلم بمشهد هرب بابا نويل من عصابة من الشباب المسلحين بالسكاكين. ثم تتوالى الصور مؤلفةً حبكة غير واضحة: هناك رجل يتفقّد بريده باستمرار أصيب بذبحة قلبية. يقوم ابنه بزيارته في مستشفى مليء بالمدخنين، ويواظب على اللقاء مع امرأة يفصلها عنه حاجز عسكري – الحاجز العسكري الاسرائيلي ذاته الذي تقرّر لاحقاً أن تفجّره… ببساطة ‘يد إلهية’ يتحدث عن الحياة تحت الاحتلال الاسرائيلي.

وبقدر ما تبدو الحبكة غريبة، فقد أجّج الفيلم منذ صدوره جدلاً كبيراً. لقد تم منحه جائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان، لكن لم تتم الموافقة على مشاركته في منافسات فئة أفضل فيلم أجنبي في حفل جوائز الأوسكار لأن “فلسطين ليست دولة تعترف قوانيننا بها“، كما قالت الأكاديمية.

إلا أن ما يميّز الفيلم، إلى جانب هذا الجدل حوله، هي تجربة مشاهدة هذا العمل المستفز بعيداً عن أي تهويل للصراع الاسرائيلي- الفلسطيني. فإنكم لن تجدوا ما اعتدتم أن تشاهدون في الأفلام التي تدور حول الشرق الأوسط: إنه يتخطى كل ذلك، ويأخذكم إلى مهزلة سياسية يحكمها الخيال، ولدت من الاحباط، تقود الوضع برمته إلى واقع راكد ومؤثر.

ومع التعقيد الذي يلف الأوضاع في الشرق الأوسط، ما الذي يمكن أن يكون أكثر تأثيراً من انعدام الاستقرار السائد… وهذا ما يجعل الفيلم يستحق المشاهدة. ربما مع بعض الابتسامات المرة، يحدث التنوير.

ويلعب المخرج إيليا سليمان الدور الرئيسي في الفيلم. إنه لا يتكلم ولا يتفاعل، وكأن فراغ الحياة اليومية لشخص عربي فلسطيني يعيش تحت الاحتلال يشده إليه. إنه شاهد، شفاف لكن مؤثر. معظم مشاهد هذا الفيلم مضحكة ببراعة، لكن بعد برهة نلاحظ أن المشاهد مستمرة وأن ضحكاتنا تحولت إلى حالة من التفكير بعد أن نصبح نحن الشهود. وتكتسب الصور قوة أكبر بعد أن نُترك للتحليل – كالمستشفى المليء بالمدخنين، والجيران الذين يرمون النفايات على جدران بعضهم البعض. قد يكون ذلك تلميحاً لكون المجتمع مصاب بعقدة التدمير الذاتي، ويتم التلميح إلى ذلك أيضاً عبر الاختلافات المستمرة بين الجيران حول قضايا تافهة؛ أو أنه قد يكون علامة على الشعور باليأس بسبب انعدام القدرة على التحكم بالواقع، وبالتالي التركيز على التلهّي بأمور تافهة. ومهما كانت الطريقة التي ترون فيها المشاهد المتتالية، يبقى التفسير منوطاً بالمشاهد، حيث يسمح التآلف مع الصور بتأليف كل مشاهد لسيناريو خاص به.

هذه الصور الصامتة، تستخدم القليل من الكلمات والمشاهد المنفصلة التي تقع في نطاق الغرابة، ومع ذلك لا نكف عن الرجوع إلى تلك المشاهد لرؤية كيفية تطوّر الوضع، حيث يصبح التكرار تأكيداً على الواقع المرير. وتجدر الاشارة إلى أن تضمين المشاهد السوريالية والرمزية المضحكة والسوداء، تدفعنا لتلقي رسالة المخرج بينما تعلو ملامحنا ابتسامة، كالمشهد الذي ينفجر فيه البالون الذي يطير حاملاً صورة ياسر عرفات، لكي يحوّل اهتمام الجنود الاسرائيليين، فيتمكن زوجان من قيادة سيارتهما عبر الحاجز العسكري. هذه الصورة غريبة كوضع هذان الزوجان الفلسطينيان؛ إنهما من البلد ذاته، لكنهما غير قادران على الالتقاء بسهولة.

أحد أقوى مشاهد الفيلم هو ذلك المشهد المستفيض الذي يتحول فيه هدف مرسوم لتدريب الاسرائيليين على الرماية إلى أنثى نينجا على طريقة المايتريكس، تتمكن من قتل كل القناصين في حركات امرأة خارقة مصممة بدقة. هذا المشهد رائع بكل معنى للكلمة، لكنه يعبّر عن تلك الأمنيات القابعة في التفكير، ويرمز إلى مشهد مستخرج من حلم.

ويستخدم هذا الفيلم الكوميديا الظرفية مقابل الشخصيات فارغة الملامح. بإمكانكم أن تشعروا بهم وهم يحاولون الهرب من واقعهم عبر خيالهم، الذي يصبح عزاءهم الوحيد.

إن بساطة هذا الفيلم والكوميديا الصامتة فيه يذكرني بأفلام جاك تاتي. هذه دون شك طريقة مؤثرة في استخدام الفكاهة، كنوع من الاعتراض السوريالي وصرخة ألم من الواقع القاسي. لقد هاجم بمهزلة وجعل كلماته أكثر تأثيراً من القنابل.

لقد جرب سليمان في هذا الفيلم وكانت النتائج مثمرة. إنها رحلة غريبة في حياة الفلسطينيين، ومهامهم اليومية: قصص بسيطة، يتم إخبارها بواسطة حوار مبسّط وكوميديا سوداء. لا يفوتكم هذا الفيلم.

للترجمة العربية اضغط على

Divine Intervention - Trailer

إعلان فيلم يد إلهية

blog comments powered by Disqus