المدوّنة

العودة الى القائمة

أهل السينما: نعم عيتاني

29 مايو 2011

ولدت وترعرعت في بيروت خلال الحرب الأهلية، كمعظم أصدقائي. وبكل فخر، أنا خريجة الجامعة اللبنانية الأميركية، حيث حزت على شهادة في علوم الاتصال (إذاعة/تلفزيون/ سينما) عام 2000 وشهادة ماجستير في التعليم عام 2005. كما إني تخرجت من جامعة هولينز في فرجينيا، أميركا، حيث نلت شهادة ماجستير في الكتابة السينمائية عام 2010، وهو أمر لطالما أردته منذ العام 2000.

أعمل حالياً كمدرسة بدوام جزئي بالجامعة اللبنانية الأميركية حيث أدرّس مادة الكتابة السينمائية. أما باقي وقتي فأكرسه للكتابة السينمائية وصناعة الأفلام. عملت لمدة خمس سنوات في شبكة الجزيرة كمنتجة برامج، وتلك كانت وظيفتي الرسمية الوحيدة التي عملت فيها حتى الآن. كتبت، أخرجت وأنتجت العديد من الأفلام – أغلبها وثائقية. من تلك التي أفخر بأني عملت عليها: ‘ركام البارد‘، فيلمان قصيران للطلاب، ومؤخراً فيلمي القصير الأول ‘سوبر. فول.’.

لقد كتبت نصوصاً سينمائية لا تحصى. هذه هوايتي ومهنتي. تم اختيار فيلمي الوثائقي ‘ذاكرة متوقعة’ لعرضه في مهرجان الجزيرة الوثائقي عام 2005. أما فيلم التخرج ‘نيكلهدز’ فقد فاز بجائزة أفضل فيلم كوميدي بمهرجان تريباز الدولي للطلاب في تورونتو عام 2010. وقد ربح فيلمي القصير ‘سوبر.فول’ بجائزة أفضل نص سينمائي في مختبر مايشا للكتابة السينمائية في زانزيبار 2010. وسيكون العرض الأول للفيلم في مهرجان سياتل السينمائي الدولي يوم الاثنين 30 مايو، كما سيعرض في 4 يونيو في مهرجان الأفلام القصيرة العالمي في تورونتو، كنده. أتمنى أن يعرض في مهرجانات أوروبية، وآسيوية وأفريقية، لأن جولته في المهرجانات لا تزال في بدايتها.

مؤسسة الدوحة للأفلام: بعد عملك مع الجزيرة العربية لمدة خمسة أعوام، ما الذي جعلك تقررين ترك عالم الأخبار؟
نعم: ذهبت إلى الجزيرة كي أتعلم وأتمكن من سداد مصاريف الدراسة، لأحصل على شهادة الكتابة السينمائية. أعطيت لنفسي مهلة خمس سنوات وأنا سعيدة لأني تمكنت من الالتزام بهذه المدة. أحاول أن أبقى بعيدة عن السياسة والأخبار بقدر الامكان، وفعلت كذلك في الجزيرة. فأنا حساسة جداً تجاه المشاكل التي تحصل في العالم. معظم البرامج التي عملت عليها كانت ثقافية، اجتماعية أو رياضية. تعلمت كثيراً من الجزيرة، لكن بعد خمس سنوات، حان الوقت كي أعود إلى الطريق الذي أحبه. السينما هي ما أريد العمل به.

Image#1

مؤسسة الدوحة للأفلام: تلقيت الدعم من مؤسسة الدوحة للأفلام في فيلمك ‘سوبر.فول’. أخبرينا عن الفيلم، وكيف أنتجتي هذا الفيلم القصير الجميل؟
نعم: ‘سوبر.فول’ هو فيلم روائي قصير، ألفته للمرة الأولى ليكون صامتاً. وهو يروي قصة زوجيْن فقيريْن يعيشان في مدينة غنية. عملت على النص لمدة أربعة أشهر، أكتبه وأعيد كتابته بدعم من مايشا ومؤسسة الدوحة للأفلام. وحين فاز بجائزة أفضل نص سينمائي في مايشا، تلقيت جائزة من مؤسسة الدوحة للأفلام ساعدتني في إنتاج الفيلم. كما قدمت المؤسسة لنا دعماً معنوياً ولوجستياً بالاضافة إلى فريق إنتاج ومعدات، كما تستمر بالمساعدة في جولات الفيلم على المهرجانات والتوزيع. لا أريد أن أبدو سطحية، لكن من دون مساعدة مؤسسة الدوحة للأفلام لما كان هذا الفيلم ليرى النور.

مؤسسة الدوحة للأفلام: تلقيتي مؤخراً تمويلاً لمرحلة التطوير من مؤسسة الدوحة للأفلام. كيف تجدين الدعم لصناع الأفلام العرب في المنطقة؟ وما هي أهمية سرد القصص؟
نعم: بالنسبة للسؤال الثاني، أظن أنه من الهام جداً بالنسبة لنا أن نروي قصصنا: ليس لأننا نختلف عن باقي صناع الأفلام في العالم، ولكن لأننا نشبههم. والسينما هي المكان الذي يمكن أن نوضح فيه ذلك. أما التطور الحاصل في الخمس أو السبع سنوات الأخيرة، للتمويلات السينمائية والمنح والمهرجانات والورشات والمسابقات في دول الخليج تحديداً بالاضافة إلى الأردن، يعطينا المزيد من الأمل ويشجع الفنانين على اتباع نداء المغامرة في داخلهم. إذا وصلنا أو لم نصل، أنا أؤمن بشدة بهذه الرحلة، وأترك للآخرين مسألة قياس نجاحاتنا بعد سنوات.

مؤسسة الدوحة للأفلام: أخبرينا المزيد عن مشاريعك السينمائية المستقبلية، لا سيما الفيلم الذي تعملين عليه حالياً. متى تتوقعين البدء بإنتاجه؟
نعم: الفيلم الروائي الذي أعمل عليه يحمل عنوان ‘سلاماً يا أبي‘، وهو يروي قصة شاب يرغب بحياة آمنة في لبنان، البلد الذي يشهد دوماً حالات نزاعات مسلّحة. وتجري أحداث الفيلم في منطقة جبلية خلال حرب صيف 2006، حيث يتمكن أحمد، أفضل ميكانيكي سيارات في المنطقة، أخيراً من إصلاح سيارة والده. ولكن أثناء عمله على إصلاح سيارة البيجو المتروكة منذ العام 1984، تبدأ الأحداث المأساوية بالحصول وتتكشف له أسراراً غريبة. ويحطم ذلك كل إرثه من الذكريات، ويتزعزع إيمانه بوطنه. ويجد نفسه مجبراً على اتخاذ قرارات صعبة.

إنه فيلم حول الحب، والخسارة، والخلاص، والسلام ومعنى الوطن. من الناحية الموضوعية، إنه يعكس رحلتي الداخلية نحو السلام. أما من الخارج، فهو قصة حول علاقة الأب بابنه، غنية بالمشاكل والعواطف. النص حالياً هو في مرحلة التطوير، وسيتطلب إنهاؤه ستة أشهر. لا يزال عليّ العثور على منتج وتمويل لأخذه لمرحلة الانتاج. كتبت المسودة الأولى لهذا النص عام 2008، وإذا تمكن من الوصول إلى الشاشة الكبيرة بعد سبع سنوات من تاريخ ولادته – في العام 2015 – سأكون سعيدة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي الصعوبات التي تواجهينها كصانعة أفلام في العالم العربي؟
نعم: ان الامرأة العربية العاملة في مجال صناعة الأفلام تواجه العديد من الصعوبات. مبدئياً، كان عليّ العمل مع مصوّرين وممنتجين ذكور في البداية، لم يأخذوني على محمل الجد. كان عليّ دائماً بذل مجهود إضافي لإثبات نفسي في هذا المجال – أعتقد أن هذه صعوبة تواجهها معظم نساء العالم العاملات في حقل السينما. لكن في العالم العربي هناك صعوبة أكبر، لا سيما وأن الناس يظنون أن من يعمل في هذا المجال هم الأقل حظاً: أولئك الذين لا يستطيعون أن يجدوا مهنةً أفضل يمارسونها، كالطب والهندسة والتعليم، أو ببساطة أولئك الذين لم يفلحوا في المرحلة الدراسية المدرسية. في المدرسة كنت تلميذة متفوقة، وقد خاب ظن العديد من الناس حين علموا أني أرغب أن أصبح مخرجة. وسُئلت ما إذا كنت سوف أنتج الفيديو كليبات لباقي أيام حياتي. وكوني آتي من عائلة محافظة وأرتدي الحجاب يجعل الأمر يبدو أكثر غرابة. ولكني أحب فكرة اختلاف الفنانين من الداخل والخارج، وهذا في النهاية سار بشكل جيد لصالحي!

Filmmaker - Niam Itani.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هو المجال الذي تفضلينه في صناعة الأفلام؟
نعم: في مجال صناعة الأفلام، كتابة النصوص السينمائية هي شغفي، وهذا يعود بجزء كبير لكوني شخص منطوي على نفسه – وهو ما يعرف في عالم علم النفس بحالة “آي أن أف جاي” (وهي نوع مصنّف من الشخصيات وتعني الانطواء، الحدس، الشعور والحكم). أفضّل القيام بالمهام التي يمكنني إتمامها وحدي؛ باستطاعتي التعبير عن نفسي كتابياً أفضل من الكلام، وأنا أبرع في مسألة ابتكار الشخصيات وفهم النفس البشرية. أما حبي لصناعة الأفلام فيعادل حبي لكتابة النصوص، لكن ضرورة تواجدي في موقع التصوير والحاجة عند ذلك للتفاعل مع العديد من الأشخاص يخيفني، صدقوا أو لا تصدقوا. حين أؤلف، أشعر أني في بيتي، أينما كنت.

مؤسسة الدوحة للأفلام: هل تمانعين الكتابة لمخرجين آخرين؟ من أين تستوحين أفكارك؟
نعم: بالطبع. أحب أن أكتب لمخرجين آخرين. لو توفرت لي الظروف المثالية، كنت سأختار الاخراج من حين لآخر، كي أشبع عطشي لابتكار الجمال البصري، وإلا لما كانت الحياة لتكفي لإخراج كل نصوصي التي كتبتها! لذا، نعم، لا أمانع أبداً الكتابة لمخرجين آخرين. أما الالهام، فهو يحيط بنا من كل جانب. غير أنني أستمد الأفكار من ثلاثة أمور بالتحديد: أقرأ الكثير من المقالات وأحرص على قراءة كتاب خيالي واحد على الأقل باستمرار؛ دائماً ما أراقب تصرفات الأشخاص وكل ما يحدث من حولي، حتى أصغر التفاصيل؛ وأمارس أحلام اليقظة وأفكر بالانسانية كثيراً، وأدوّن ذلك في مدونتي أو مذكراتي. هذا يساعدني على البقاء في حالة صفاء ذهني ومنع حالة الجمود ونفاذ الأفكار التي يعاني منها الكتّاب أحياناً.

مؤسسة الدوحة للأفلام: كيف ترين مستقبل صناعة الأفلام في المنطقة؟ هل من أمل؟
نعم: حتماً هناك أمل. حين أتلقى كتاب رفض من مسابقة إقليمية أو مهرجان لنص سينمائي أو فيلم، أشعر بالحزن، لكن أيضاً ينتابني شعور جيد. هذا يذكرني بأن هناك أشخاصاً آخرين موجودين لديهم الشغف نفسه لقصصهم ولصناعة الأفلام وكتابة النصوص. حيثما هناك شغف، هناك أمل. العالم العربي غني بالشباب الذين عانوا كثيراً ليصبحوا فنانين كبار.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما الذي تنصحين به أولئك الذين يرغبون بأن يكونوا كتّاب نصوص سينمائية؟ ما هي الخطوات التي يجب أن يتبعوها؟
نعم: هناك أستاذ في المدرسة كان يقول لنا إنه لو كنا نرغب بأن نصبح كتّاباً، علينا أن نقرأ كثيراً. كمدرّسة الآن، أقول لطلابي إنه عليهم أن يكتبوا كثيراً لو أرادوا أن يصيروا كتّاباً. ليست هناك خطوات محدّدة لتصبح كاتباً، لكن لن تصبح كاتباً بالتأكيد لو لم تلتصق بكرسي وتمضي الوقت بالكتابة وإعادة الكتابة. مقولتي المأثورة هي “الهواة يكتبون، والمحترفون يعيدون الكتابة”.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما الذي تعنيه لك صناعة الأفلام؟
نعم: بالنسبة لي، تجاوزت صناعة الأفلام مسألة أن تعني لي شيئاً. إنها شغف استسلمت له برغبتي وبسعادة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي أكثر الأفلام التي ألهمتك؟ ولماذا؟
نعم: إنه فيلم ‘المرآة’ للمخرج أندريه تاركوفسكي. حين شاهدته للمرة الأولى عام 1998، كدت أتوقف عن المشاهدة مرات عديدة. بدا خالياً من أي معنى. لكنه كان رائعاً، لسبب أجهله وجعلني أستمر بالمشاهدة. وحين وصل إلى النهاية، علمت أن تاركوفسكي سيكون الأستاذ الذي سأتعلم منه دون أن يكون موجوداً. إنه يرسم على الأفلام.

مؤسسة الدوحة للأفلام: لماذا تريدين صناعة الأفلام؟
نعم: بإمكاني ذكر ألف سبب. من ضمنها مثلاً أنني نشأت في بلد مزقته الحرب الأهلية والرغبة في لفت نظر العالم عن قيمة الأمور التي لا نعيرها أهمية كبرى، كالسلام والحب والعدالة. ولن يكون ذلك كذباً. لكن الحقيقة هي أنني حين أكتب وأصنع الأفلام أشعر بالنشوة النفسية. هناك سبب أناني وبسيط يدفعني للرغبة في صناعة الأفلام: لأن ذلك يجعلني سعيدة.

blog comments powered by Disqus