المدوّنة

العودة الى القائمة

أهل السينما: تمارا ستيبانيان

09 أغسطس 2011

ولدت تمارا ستيبانيان في أرمينيا. انتقلت أثناء انهيار الاتحاد السوفياتي إلى لبنان مع عائلتها حيث عايشت ترتبات الحرب الأهلية عام 1994. درست فنون الاتصال في الجامعة اللبنانية الأميركية، وتخرجت بدرجة تميّز. شاركت تمارا في العديد من الورشات السينمائية بأرمينيا، وكوريا الجنوبية والدانمارك وأنجزت تركيباً مؤلفاً من فيديو وصور وصوت بعنوان ‘ماي بيروت’ (بيروتتي) شاركت فيه في بادغر 1 (معرض خارجي ومهرجان سينمائي) عام 2009. شارك فيلمها الوثائقي ‘ليتل ستونز’ أو ‘أحجار صغيرة’, الذي صورته في الدانمارك، في مهرجان ولد في بيروت وأيام بيروت السينمائية في لبنان وسي بي أتش دوكس في الدانمارك.
تعمل تمارا حالياً على منتجة فيلم وثائقي صورته العام الماضي، تحت عنوان “19 مايو“، بعد أن نالت تمويلاً لمرحلة ما بعد إنتاجه من مؤسسة الدوحة للأفلام.

مؤسسة الدوحة للأفلام: تهانيناً لحصولك على تمويل من مؤسسة الدوحة للأفلام. أخبرينا المزيد عن هذا المشروع الجديد.
تمارا: شكراً. عنوان فيلمي هو “9 فبراير” وتدور قصته حول قطار بين ييريفان وتبليسي.وآنا وأليكس، وجدار. جدار أبيض وبارد.
بدأ هذا المشروع يجول في خاطري منذ ثلاث سنوات. في ذلك الوقت، أقدمت على كتابة مسودته في ليلة واحدة، ثم بدأت أبحث له عن تمويل، دون جدوى. لذا نسيت أمره بعد فترة، لا سيما أن تمويل الأفلام القصيرة في العالم العربي ضعيف إن لم يكن معدوماً. ووضعت المسودة في الخزانة وحاولت نسيان أمرها. وكل مرة كنت أسافر فيها إلى أرمينيا، أبقى في محطة القطار تلك لساعات، أنتظر القطار، ثم أركبه لأتجول في المنطقة. كان باستطاعتي أن أشعر تنامي هذا الفيلم بداخلي. وكان موظفو المحطة يظنون أن بي نوعاً من الخبل، لتجوالي في أنحاء المحطة بهذه الطريقة.

ثم حصلت على تمويل من مؤسسة الدوحة للأفلام، وكانت مفاجأة سارة حين كنت قد فقدت الأمل تماماً. تمكنت من تمويل تصوير الفيلم على حسابي، بمساعدة تمويل حصلت عليه من أشكال ألوان بما أن ميزانيته منخفضة، لكني لم أستطع تحمّل تكاليف مرحلة ما بعد الانتاج. وقد نصحني أصدقاء لي بأن أزور موقع مؤسسة الدوحة للأفلام، وها نحن هنا!

مؤسسة الدوحة للأفلام: لقد عشت ما بين أرمينيا ولبنان، كما شهدتِ شيئاً من الحرب اللبنانية، كيف أثّر ذلك على المواضيع التي ألهمتكِ؟
تمارا: لدي هذه الهوية المزدوجة. فلقد ولدت في أرمينيا وانتقلت إلى لبنان مع عائلتي حين كان عمري 12 عاماً. ومنذ ذلك الحين، بدأ كفاحي للعثور على وطن في هذا المكان الجديد. تطلب مني هذا وقتاً طويلاً… لكني تدربت أمري، باعتقادي. أنا أعيش الآن في لبنان لكني أزور أرمينيا كثيراً. لدي بيتان، وسبعة بيوت أخرى. تعلمت أن أصنع وطناً حيثما أكون، إن كان في لبنان، أو أرمينيا أو كوبنهاغن، أو باريس أو بوسان.
أما بخصوص الحروب… أنا لم أشهد الحروب في لبنان بشكل مباش، بل شهدت فترة ما بعد الحرب. وأعتقد أن هذه الفترة أوجدت نوعاً من الانسداد الذي ما زلت غير قادرة على حلّه بعد. وهذا مؤلم. لأن التواجد في مكان أعتبره وطني ، والشعور بهذا الانسداد الداخلي يمكن أن يكون مزعجاً في أوقات ومصدر ثراء في أوقات أخرى. ذات يوم سيتفجّر. أشعر بدنو هذا اليوم.

مؤسسة الدوحة للأفلام: أنجزتِ تجهيزاً تحت عنوان “بيروتتي“، وهو عنوان شخصي جداً. هل يمثّل رأيك عن هذه المدينة؟
تمارا: منذ تخرجي من الجامعة، وأنا أرغب بإعادة تركيب غرفتي ذاتها التي كانت في بيتنا بـ برج حمود house. حين جئت إلى لبنان للمرة الأولى، عشنا في هذا البيت لمدة ستة أعوام، وتلك كانت حياتي، وعالمي وبيروتتي. لم أعرف حقيقةً أن مدينةً اسمها بيروت كانت موجودة وراء حدود أرمينيا الصغيرة هذه التي صنعتها لنفسي. وبما أن والداي ليسا لبنانييْن، لم يكونا يعرفان الكثير هما أيضاً. هذا التجهيز يلخّص سنوات ستّ من عمري. لقد أعدت صناعة هذه الغرفة في مصنع للحجارة ووضعت فيها أشياء حقيقية كانت فعلياً في بيتي: شريطا فيديو، أحدهما لي وأنا طفلة أرقص مع أصدقائي، والآخر يظهر والداي مجتمعان مع بعض الأصدقاء على شرفة هذا البيت، يشربون ويرقصون. ومن خلال الصور، حاولت أن أستعيد مظهر النوافذ والأنوار، وكل ما كنت شغوفة به وأنا طفلة، كجلوسي لساعات ومراقبة النور أو مجرد التحديق من النافذة. حين أتيت إلى لبنان، كانت الأيام مظلمة جداً في أرمينيا، لذا كان الضوء رائعاً بالنسبة لي، حتى لو كان مجرد فانوس شارع. كما أضفت ثلاثة تسجيلات صوتية إلى هذا التجهيز بلغاتي الثلاث (العربية، الأرمنية، والانكليزية)، حيث عبّرت عن أفكاري والطرق التي جعلتني أتقبّل بيروت في داخلي. حين كنت صغيرة كرهت بيروت لأني ظننت أن برج حمود كانت كل بيروت. لكن حين أصبحت في مرحلة المراهقة أحببتها. أذكر جيداً حين مشيت للمرة الأولى في شارع الحمرا. عندها قبلت بيروت وأحببتها. لذلك أسميت هذا التجهيز ‘بيروتتي’. هناك صحافي من صحيفة لوس أنجلوس تايمز نفّذ هذا الفيديو عنه.

للترجمة العربية اضغط على

مؤسسة الدوحة للأفلام: ثم تحوّلتِ من بيروت وأخرجتِ فيلم ‘أحجار صغيرة‘، ما هي قصته؟
تمارا: إنه يدور حول الميلانكوليا، وقضايا الهوية والوطن. ويحكي هذا الفيلم قصة أربع نساء غير دنماركيات وأنا يعشن في الدانمارك لأسباب مختلفة. هذا الفيلم هو بحثي في داخلي، من خلال هؤلاء النساء الأخريات. بالنسبة للكثيرين، يمكن أن تكون مفاهيم كالهوية والانتماء صعبة. وفي حالتي أنا، قمت باختراع هوية ثالثة لنفسي. أردت التركيز على موضوع الابتعاد عن الوطن، والحنين الجميل، وكيف تدفعنا الحواس، والروائح والنكهات للاشتياق إلى الماضي.

لقد عثرت على أربع نساء في كوبنهاغن بأعمار وخلفيات مختلفة، أتين إلى الدانمارك لأسباب متعددة. المرأة الأولى من جنوب أفريقيا وقعت في الغرام، والثانية من الهند أتت باحثةً عن الغرام. أما المرأة الثالثة فهي ابنة للاجئين إيرانيين، والرابعة هي ابنة متبناة من كوريا الجنوبية. وضعتهن في غرفتي وصرت أسألهن واحدة تلو الأخرى وهن جالسات في غرفتي ذاتها- التي كانت عالمي- وهن في الدانمارك.
ومن خلال هذا الفيلم الوثائقي، أدركت أن البحث عن مكان انتمائنا لا ينتهي. وأدركت أيضاً أنني كالرحالة، أتجول دوماً في كل مكان، وهذا يشعرني بالسعادة.

مؤسسة الدوحة للأفلام: كيف تكسبين عيشك كفنانة في الشرق الأوسط؟
تمارا: بصعوبة. عليّ الكفاح، لأنه كان عليّ أن أتعلم أن أفعل كل شيء بمفردي (التصوير والمنتجة والصوت). وهذا خطأ. ولكن نظراً لعدم توفر التمويل، نجد أنفسنا مضطرين للقيام بمهام عدة في مشاريعنا. الوضع في تحسّن وهذا في صالح المنطقة. أتعاون مع بعض الشركات الاعلانية كي أكسب عيشي. لكن في كل مرة أقوم فيها بتأليف عمل ما، أترك كل شيء من أجل فيلمي. أتمنى فقط لو أني أستطيع يوماً أن أصنع الأفلام من دون الحاجة إلى البحث المستمر عن أعمال ثانوية أقوم بها كي أعيش. فهذا جد متعب ومشتّت للانتباه، ولا يهدر الوقت فحسب، بل أيضاً يشتّت الأفكار والروح.

مؤسسة الدوحة للأفلام: أين تبحثين عن أفكار للقصص، وما هي أكثر الأشياء التي تؤثر فيكِ؟
تمارا: المصدر الرئيسي هو أنا، أبحث دائماً في داخلي. كما أبحث في كل مكان أتواجد فيه، في كل ضوء أمرّ به، وعلى كل جدار أمامي. تماماً في كل مكان. إن الطبيعة تدهشني وتلهمني. المشروع الذي أؤلفه الآن، تجري قصته في بلدة. لقد شعرت بهذا الفيلم في داخلي، لكن الفكرة اكتملت بعد أن رأيت، بمحض الصدفة، هذا المكان الذي جعلني أدرك أني أتأثر بالأمكنة كثيراً. لذا أعتقد أن للمكان أهمية كبيرة بالنسبة لي ككاتبة وصانعة أفلام. يمكن استنباط الكثير من المشاعر من الحواس، وأنا إنسانة تتبع غريزتها والطبيعة.
أنا لا أحب القصص التي تقدم إلينا بالطريقة التقليدية، أي بأسلوب الحبكة، مع مقدمة وحبكة وخاتمة. لا أنكر ضرورة البنية السردية بالطبع، لكن بوسعنا تحقيق ذلك، ضمن الايقاع الداخلي للفيلم.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما الذي تفضلينه؟ الأفلام الخيالية أو الوثائقية ولماذا؟
تمارا: بعد إنجازي لمشروع فيلم التخرج، أنجزت فيلماً وثائقياً. وكان ذلك أشبه بالبحث في غياهب الروح. إني أعتقد بصدق أن لا وجود لما يدعى أفلام خيالية بحتة أو وثائقية بحتة. فيلمي الأخير “19 فبراير“، الذي تم تصنيفه في خانة الأفلام الخيالية الروائية، هو مجرد فيلم بالنسبة لي. أحب استخدام العناصر الحقيقية في عملي. فالأساس حقيقي وأنا أحب استخدامه بطريقة صحية. لكن إن أردت الاجابة بطريقة أبسط، أقول، نوعي المفضل هو الأفلام الخيالية.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي الصعوبات التي تواجهكِ كصانعة أفلام؟
تمارا: سأذكر مشكلة واحدة تزعجني منذ فترة وأنا أكتب. الكتابة تصبح صعبة جداً حين يكون لدينا عمل آخر. الكتابة هي عملية يجب أن ننغمس فيها. لا يمكننا الذهاب صباحاً إلى العمل، وحلّ المسائل العالقة التي تخلو من أية مسحة إبداعية، ثم العودة إلى المنزل والبدء بالكتابة. هذه صعوبة حقيقية بالنسبة لي. أنا بحاجة لأن أكون وحدي في مكان هادئ. تعلمين كيف هي بيروت، لذا فالأمر صعب.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ماذا تعني لكِ الصناعة السينمائية؟
تمارا: هذا سؤالي المفضل! السينما هي الحياة بالنسبة لي. لا يمكنني الاستمرار بدونها. إنها شغف غُرس في داخلي حين كنت صغيرة، بعمر السادسة. أعترف بأني تهت قليلاً في سنوات الجامعة، متنقلةً ما بين السينما والمسرح. لكن حين بدأت العمل، أدركت إلى أية درجة تجعلني أتوهّج وأفرح. حين كنت في كوريا للمشاركة في ورشة عمل مع محسن مخملباف و“وبن-ايك راتاناروانغ”: http://en.wikipedia.org/wiki/Pen-Ek_Ratanaruang، كنت أمر بأوقات عصيبة في حياتي الخاصة. ومع مرور الأيام، قال لي مدربي: “تمارا، أول مرة رأيتك فيها، كان وجهك أسوداً، والآن أنت تتوهجين، إن السينما تجعلك تشعرين أنك على قيد الحياة”. وفي كل مرة أكتب فيها أو أصوّر أو أمنتج ، يصبح مزاجي حسناً. وكأن بداخلي بذوراً لا تكف عن النمو، وهذه هي الحياة. ونحن نصوّر هذه الحياة في السينما.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هو فيلمك المفضل ولماذا؟
تمارا: لدي العديد من الأفلام المفضلة، لكن هناك فيلمان طبعا حياتي كلها، وهما فيلم للمخرج أندريه تاركوفسكي تحت عنوان ‘المرآة’ ، وآخر للمخرج إنغمار برغمان تحت عنوان ‘شخصية’ . لماذا؟ الجدير ذكره أولاً أن الفيلمين لا يملكان بنية سردية تقليدية؛ إنهما شديدا الخصوصية، بسيطان لكن معقدان في الوقت ذاته. إنهما يصوران حالة الانسان وروحه بكل صراعاتها الداخلية. يصوران الأحلام والذكرايات والواقع والخيال، بدون أي فصل واضح بين الأماكن الداخلية والخارجية. إنهما لا يحتويان على منطق واقعي أو قوام قصة. في فيلم “شخصية” على سبيل المثال، أعتقد أن الشعور بالاحباط والألم والاختناق الداخلي الذي خلقه المخرج، غني جداً ومرضٍ… ويمكن أن أستمر بهذا الحديث للأبد ولكني سأتوقف عند هذا الحد.

مؤسسة الدوحة للأفلام: هل ترين بعض الأمل في مستقبل السينما بالمنطقة؟
تمارا: من الجيد دائماً أن نشعر بالأمل حتى لو كان الأمل ضئيلاً. المشكلة الأكبر التي نواجهها في المنطقة هي أن لا صناعة سينمائية حقيقية. يجب أن يكون هناك نظام دعم وتمويل من الدولة. معظم الدول تملك في ميزانيتها حصة لتمويل الأفلام، فلم لا يحصل الأمر ذاته في دولنا؟ كما أنني لا أقصد بذلك تحديد ميزانيات ضخمة. يجب أن يعمل النظام بطريقة تروّج لصناع الأفلام، وتوفير الفرص التي تدفعهم لإنتاج الأعمال في المنطقة. سيحصل ذلك على ما أعتقد، وأرجو أن يحصل قريباً.

مؤسسة الدوحة للأفلام: ما هي رسالتكٍ لصناع الأفلام الصاعدين؟
تمارا: كما قلت مسبقاً، السينما شغف. هي الحياة. الحياة التي لا يمكننا الاستمرار من دونها. إذا كنتم تشعرون بأنكم غير قادرين على التخلي عن هذا الشعور، فانغمسوا وسيروا فيه. وإلا فتخلوا عنه، لأن هذا المجال ليس سهلاً. لست أقول ذلك لأثبط من عزيمة أحد، بل بالعكس أنا أحاول تشجيعهم. إن صناعة الأفلام أمر يجعلك تشعر بأنك على قيد الحياة في بعدٍ آخر. والسعي كفيل بأن يحقق لكم أحلامكم.

blog comments powered by Disqus